التوثيق الطبي: درع الحماية الأول للطبيب قبل المريض

في عالم الممارسة الطبية، لا يقتصر دور التوثيق الطبي على كونه وسيلة لتنظيم الملفات أو تسهيل المتابعة فقط، بل هو الدرع الأول الذي يحمي الطبيب قانونيًا وأخلاقيًا في حال وقوع أي شكوى أو التباس حول الإجراءات الطبية المتخذة.

ما هو التوثيق الطبي؟

التوثيق الطبي هو عملية تسجيل كل ما يتعلق بحالة المريض من بيانات صحية، زيارات، تشخيصات، وصفات، إجراءات طبية، تحاليل، نتائج فحوصات، وتوصيات علاجية، بالإضافة إلى توقيع المريض بالموافقة على الخطة العلاجية أو الإجراءات المتفق عليها.

يُنفذ هذا التوثيق إما ورقيًا أو إلكترونيًا عبر أنظمة إدارة السجلات الطبية (مثل "سجلاتي") التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من المؤسسات الصحية الحديثة.

التوثيق كوسيلة لحماية الطبيب

في حالات الشكاوى الطبية أو الادعاءات القانونية، يُنظر إلى السجل الطبي أولًا، ويُعتبر المرجع الأساسي لتحديد:

• ما إذا كان الطبيب قد قام بالإجراء المناسب.

• هل تم إبلاغ المريض بكافة التفاصيل والمخاطر؟

• هل تم أخذ الموافقة المستنيرة؟

• هل كانت المتابعة دقيقة ومنتظمة؟

بوجود توثيق دقيق وشامل، يكون الطبيب في موقف قوة، حيث يثبت أنه:

• اتخذ قراراته بناءً على معطيات واضحة.

• التزم بالمعايير المهنية والأخلاقية.

• أعطى المريض الحق الكامل في الفهم والموافقة.

أمثلة على مواقف تحمي فيها الوثائق الطبيب:

1. ادعاء بسوء التشخيص: التوثيق يُظهر الأعراض التي اشتكى منها المريض، والفحوص التي أُجريت، والتشخيص المبني عليها.

2. اعتراض على إجراء طبي: السجل الموثّق يوضح أن المريض وقّع على "نموذج الموافقة" بعد شرح كافة التفاصيل.

3. تأخر في العلاج: السجل يُظهر تواريخ الزيارات والإجراءات المتبعة، ما ينفي الإهمال أو التأخير المتعمد.

كيف يكون التوثيق فعالًا؟

ليحقق التوثيق دوره في الحماية، يجب أن يكون:

• شاملًا: لا يترك أي خطوة أو ملاحظة مهمة.

• منتظمًا: يتم تحديثه بشكل لحظي أو دوري حسب الحالة.

• دقيقًا: يخلو من التعميمات والعبارات المبهمة.

• محايدًا: يسجل الوقائع دون تحيّز أو إخفاء للمعلومات.

خلاصة

التوثيق الطبي ليس مجرد إجراء إداري، بل هو سلاح دفاع قانوني ومهني أساسي للطبيب. في عالم يتزايد فيه الوعي القانوني لدى المرضى، يصبح لزامًا على كل طبيب أن يعتني بسجلاته كما يعتني بمرضاه. فكما يحمي التوثيق حقوق المريض، فهو أول من يحمي الطبيب من التبعات القانونية والمهنية لأي خطأ حقيقي أو مزعوم.